الأحد، 7 أبريل 2013

حول موضوع (مشيخة الدغيرات) قيادات مرحلية لقضايا مختلفة



لقد أصبحت قضية الشيخة هاجساً للكثير من غوغاء بعض أفراد القبائل سواء قريب أو بعيد حيث تجاوز الحديث عنها كاستفادة من تاريخ حقبة زمنية معينة إلى التفاخر السلبي والتأزم والتخندق والتحزب الأعمى، بل الذهاب إلى أكثر من ذلك من العدواة والكراهية التي لا مبرر لها بين الناس خصوصا في هذا العصر.

         

       لم يوجد في أي زمن ماضي مشيخة بشكلها الشامل الضافي وإنما جاء في تاريخ القبيلة أو العشيرة (زعامة-قيادة) بالمعنى الأصح وليست مشيخة حول قضايا معينة تتكرر بين مرحلة وأخرى، ثم تنصرف بعد ذلك القبائل أو الأفراد المشاركين إلى حال سبيلها ومعيشتها؛ ولذلك كانت هناك عدة قضايا برزت فيها أسماء " قيادية " معينة من عشيرة " الدغيرات "وفي مراحل زمنية مختلفة، وهناك من الأسماء من تجاوز ورثته ذلك البروز القديم , وأسماء أخرى كرسوا ورثته ذلك البروز حتى عصرنا هذا , وهذا ما جعل الكثير من الأسماء الأخرى تتحرك للنفي أو الاساءة أو الطمس رغم أهمية كل من برز في الزمن الماضي . وهناك مشكلة كبيرة في التعاطي مع التاريخ وقراءته بمعزل عن سياقه الزمني (السياسي والثقافي والاقتصادي ) وبمعزل عن فهم التغير الديمغرافي الهائل للقبيلة والفرق بين الماضي والحاضر. وكذلك فهم حجم انجازات كل فرد (دغيري) وتأثيرها الحقيقي سواء على الدغيرات أنفسهم أو على شمر ومدينة حائل. وهناك من انكفأ على ما تتناقله قريته أو ما يخبره به بعض أجداده من قصص بعضها من الاساطير دون بحث وتقصي عن حقيقة ما يسمع، لاسيما أن كثير من القصص (الحقيقة) فيها نسبية وليست مطلقة خاصة القصص القديمة والتي جرت  قبل 1200 هـ.

      عودة على ذي بدء لو عدنا لبداية عصر الدغيرات نجد أن هناك عدة مراحل برزت فيها  عدة أسماء قيادية هي سبب موضوعنا هذا، وبرزت أسماء أخرى في الفروسية والكرم لكن لسنا بصدد الحديث عنها رغم أن بعض من برز في الفروسية يفوق (تاريخ وإنجازات) بعض من سنذكرهم هنا، لكن حظهم أن يظهروا متأخرين فالعقلية المتخشبة عينها على أول (شبة ضوء) حتى لو كان نورها ضعيفاً , وهؤلاء كثر وعلى سبيل المثال لا الحصر : مغير ابن غازي , طليحان التبيناوي , خضير ابن مسمار .....الخ ولعلي أذكرهم مع آخرين في موضوع آخر فهم يستحقون بلاشك .


ومن المراحل الهامة القيادية :


المرحلة الأولى : برز فيها سكران أبو جوختين (ابن عتقا) من "الحسين" . لكن سكران مارس بعض الأخطاء التي أدت إلى قتله فيما يعني أن بروزه سلبياً على قبيلة الدغيرات , وتسبب قتله في نشوب عدة معارك بين أبناء العمومة(الغيثة معهم الجذول من الشريهة ضد الحسين) وكادت عشيرة  الحسين أن تنقرض لولا فطنة وحكمة ابن سند . (المصدر جوعان التبيناوي).


المرحلة الثانية : برز فيها ابن هثمي كحالة فردية وكان له دور كبير في حرب الشريف على شمر في حائل كما جاء في بعض الروايات، لكن ما يتفق عليه هجرة الهثمي إلى العراق وبروزهم هناك وأصبح لهم شأن بين الدغيرات في العراق وهم أكثر الناس قرباً وصلة وتواصل مع التبانا في حائل ويثمنون لهم المواقف الطيبة.



المرحلة الثالثة : برز فيها ابن سعيد أثناء صلح جزء من "الدغيرات" على جزء من " اليحيى" بقيادة ابن شريم بعد معركة "دخيل ابن وابل " الثانية التي جرت بالقرب من "الحميمة" والمناخ الأول في "دوير". انتخب الدغيرات (الحاضرين منهم) فراج ابن سعيد لتوثيق الصلح الذي تبناه ابن علي وشاة ابن سعيد بسبب هذه القضية التي ابعدت الدغيرات عن اليحيى قليلا بعد أن كانوا متقاربين بحكم أن والدهم علي تربى مع أبناء يحيى بعد أن أقامت أسرته عندهم حيث تزوجت أمه فاطمة بنت ابن بقار من يحيى وأنجبت له قبيلة الجري، والخلاف بين الدغيرات والشريم شيوخ اليحيى كان من أجل الجري. 

المرحلة الرابعة: برز فيها مفتاح الغيثي ومبيريك التبيناوي فهما الحصن المنيع ضد الهجمات الخارجية على الجبل وكانت مهمتهم ليست على الدغيرات فقط بل مهمتهم أكبر من ذلك في صد العدوان على حائل إضافة لمن شاركهم تلك المعارك من قبيلة شمر.

فيقول العواجي مثلا : الشيخ مفتاح بثركم حدرناه  روحوا وراكم ياعيال الحمايل

ويقول الومد لمبيريك(الذي يحشد ويعبئ ويجيش ويُفزع) : جتنا جموعك يامبيريك زوار   مثل الهضاب جموعك اللي تبارا....الخ القصائد والأحداث الهامة التي جرت في ذلك الزمن.

  لقد كان ابن سعيد حاضرا في عصر مفتاح ومبيريك وله مكانته بين جماعته العليان وهو من أسرة كرم وقال فيه مبيريك التبيناوي ضمن قصيدة طويلة وجه بعض أبياتها (لرشيد العلياني) من ضمنها:

 يارشيد ربعك يـنـزلـون الاطـاريف

ويغلـون للجالـب خروفه بالاسوام

يتلون ابو دوشه حسين التواصيف

من روس قومن مثل عقبان الارجام

( رشيد علياني ويقصد أن ربعه العليان يتلون أبو دوشة وهو ابن سعيد)


المرحلة الخامسة : انتخب  الدغيرات حسني التبيناوي وكان معه عماش ابن سعيد حيث كان صغيرا في السن أثناء أزمة بزاخة . وذهب حسني إلى الرياض واجتمع بالمسؤولين الكبار وحسمت القضية فيما بعد لصالح الدغيرات.




في النهاية

ذلك عصر له ظروفه ونحن في عصر له ظروفه المختلفة، وتوارث الانجازات والمناصب لا تجده إلا عند الأمم المتأخرة في كل شيء، فالفرد المبدع والمميز هو من يفرض نفسه اليوم , ولاتجد أو تسمع أن هناك رجلا يقدم في "صدر المجلس" لأنه ابن ذلك العالم أو المفكر.

   الزمن القادم سيعزز من قيمة الفرد الفاعل، أما الفرد الذي يقتات على السمعة" السابقة "ويفرض نفسه على الناس دون قيمة فعلية تتوافق مع عصره؛ سيجد نفسه على قارعة الطريق ملفوظا من العالم والتاريخ.


متفرقات

* جوعان التبيناوي توفى قبل أكثر من 35 سنة، وهو من أكثر الرواة ثقة في زمنه( روايته عن أول قائد وزعيم للدغيرات هو سكران ابو جوختين) .

الشيخة أو المشيخة : تطلق على الشخصية التي تتمتع بالقيادة والحكمة والحماية والكرم تلتم حوله الناس ويتحول إلى شيخ مع الزمن ثم يتوارث أبنائه وأحفاده هذا اللقب سواء بجدارة أو دونها. وهي ليست حكرا على شخص أو أسرة فكل زمن  في الماضي له رجاله وشخصياته التي قد تكون منجزاتها أكثر بكثير ممن سبقها.


كان (لشيخ القبيلة) دور في سياق زمنه وعصره ففي الاجتماع حوله قوة وحماية ..الخ، أما الآن أصبح شيخ القبيلة عبئاً على الدولة المدنية ,ووظيفته غالبا لا تتجاوز التسول، أو ملاحقة الولائم من بيت إلى آخر وهذا يثقل كاهل البسطاء ومحدودي الدخل، أو يكون ذلك على حساب ضياع وقت الآخرين (المهم)، أو الوجاهة الاجتماعية لسلب حق مظلوم واعطاءه لظالم ومخطئ، أو الوجاهة الاجتماعية في(التوسط) لمعارفه وأقاربه على حساب الكفاءات والمهارات والخبرات أيا كانت انتماءاتها، وأغلب الذين يلهثون خلف هذه اللقب (شيخ القبيلة) في هذا العصر هم من فئة النرجسيين الذين لا يساعدون ولا يفعلون الخير من أجل الخير نفسه على طريقة (ساعد وأرحل دون منّة) بل من أجل مصالحهم وتملك الناس واستعبادهم طلبا للمدح والتطبيل فهذا ما يغذي نرجسيتهم وتضخم ذواتهم. في النهاية كلما تقدمت دول المنطقة نحو تحقيق (الدولة المدنية الحقيقية) ستتساقط كثيرا من الاصنام التي تعيق حركتها ومن ضمنها ما يسمى (شيخ القبيلة). قد يُعذر كبير السن الذي مازال متمسكا بهذا اللقب لاعتبارات ثقافية زمانية فهو من مخرجات زمن كانت المعلومة والمعرفة محدودة جدا بينما الآن مصادر المعلومات والمعارف متعددة يصل إليها كل فرد من أي مكان على سطح هذا الكوكب، أما الشباب فلا عذر لهم.